في الحانة القديمة - مظفر النواب

المشرب ليس بعيدا
ما جدوى ذلك...
أنت كما الإسفنجة تمتص الحانات ولا تسكر 
يحزنك المتبقي من عمر الليل بكاسات الثملين
لماذا تركوها؟
هل كانوا عشاقاً؟


هل كانوا لوطيين بمحض إرادتهم كلطاءات القمة؟
هل كانت بغي ليس لها أحد في هذي الدنيا الرثة؟
لو كنت هنا
خبأت بسترتك التاريخية رغبتها
وهمست بدفء في رئتيها الباردتين
أيقتلك البرد؟
أنا يقتلني نصف الدفء ونصف الموقف أكثر!
سيدتي
نحن بغايا مثلك
يزني القهر بنا
والدين الكاذب والخبز الكاذب
والفكر الكاذب والأشعار
ولون الدم يزور حتى في التأبين رمادياً
ويوافق كل الشعب أو بعض الشعب
وليس الحاكم أعور
سيدتي
كيف يكون الانسان شريفاً
وجهاز الأمن يمد يديه بكل مكان
والقادم أخطر
نوضع في العصارة كي يخرج منا النفط
نخبك نخبك سيدتي
لم يتلوث منك سوى اللحم الفاني
فالبعض يبيع اليابس والأخضر
ويدافع عن كل قضايا الأرض ويهرب من وجه قضيته
سأبول عليه وأسكر
ثم أبول عليه وأسكر
ثم تبولين عليه ونسكر!
المشرب ضج بجيل لا تعرفه
بلد لا تعرفه
لغة، كركرة،
وأمور لا تعرفها
إلا الخمرة... بعد الكأس الأولى تهتم بأمرك
تدفئ ساقيك الباردتين
ولا تعرف أين تعرفت عليها، أي زمان
يهذي رأسك بين يديك بشيء يوجع مثل طنين الصمت
يشاركك الصمت كذلك بالهذيان
وتحدق في كل قناني العمر، لقد فرغت
والنادل أطفأ ضوء الحانة عدة مرات لتغادر
كم أنت تحب الخمرة واللغة العربية والدنيا
لتوازن بين العشق وبين الرمان
هذي الكأس وأترك حانتك المسحورة يا نادل
لا تغضب، فالعاشق نشوان
إملأها حتى تتفايض فوق الخشب البني
فما أدراك لماذا هذي اللوحة للخمر
وتلك لصنع النعش
وأخرى للإعلان
إملأها علناً يا مولاي
فما أخرج من حانتك الكبرى
إلا منطفئاً سكران
أصغر شيء يسكرني في الخلق فكيف الانسان
سبحانك كل الأشياء رضيت سوى الذل
وأن يوضع قلبي في قفص في بيت السلطان
ورضيت يكون نصيبي في الدنيا كنصيب الطير
ولكن...
سبحانك حتى الطير لها أوطان
وتعود إليها، وأنا ما زلت أطير
فهذا الوطن الممتد من البحر إلى البحر
سجون متلاصقة
سجّان يمسك سجّان...

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مسدار أبو السره لليانكى - محمد طه القدال