صلاة الغائب - سائر ابراهيم

وإني أراك
غريباً تجر نزيف خطاك
وتحمل حب البلاد التي ورثتك الحقيبة
حين رمت في المنافي صباك
وحيداً، كنافذة قبل أنثى
شريداً، كذاكرة بعد أنثى
تضوِّء في الليل شمعَ حنينك
تنثر في الريح قمحَ هواك
وتسأل صمت الدجى عن سماك.


وإني أراكَ أراكَ أراكْ
على شرفة الشوق تفرد ظلك
تقرأ، تصمت، تنشد، تبكي
وتكتب، حتى تجف يداك..
وتحلم أن الحقول التي ودعتك تقولك كل ربيع
أن الشوراع ترقب وجهك
أن الأزقة تسأل عتم المسا عن سناك
وإني أراك
على ضفة النيل طيراً غريباً
ترش لماء الغروب نشيدك
تهمس للنهر: كن لي صديقاً
وللنخل: هز جذوع حنيني
ولليل: هبني اتساع مداك
وحين تنام دروب المدينة تجمع نفسك
ثم تؤوب إلى كوخ صمتك
تصنع شاياً
وتعزف ناياً
وتدعو لطقس الحنين وجوهاً ظمئت إليها
تسمي النجوم البعيدة أمَّك
تدعو الهلال النحيل أباك
وتسهر، حتى ينام أساك

أتذكر كيف ارتمينا سوياً بحضن القصيدة
كيف استفاق الرصيف الوحيد لوقع خطانا
وضجت بنا طرقات المدينة
كيف التقينا على شاطئ الشعر ذات نبيذ
لنطلق فيروزنا في الأعالي
وننشد "ريتا"
ونرقص "زوربا"
وكيف حلمنا طويلاً طويلاً
بلحن يبدد قبح النشاز
بشعر يفتت سقف الهلاك؟

بقيت لأرعى الخراب هنا
وارتحلت لتلقى الخراب هناك
بلاد تساوت بعقم رباها
وضيق سماها
بلاد رأت في المنام ملاذاً
وفي الصمت مأوى
بلاد توحد فيها النواح
بلاد توحش فيها الملاك
فأين ستمضي؟
مفرّك فيك
وما من مكانٍ
وما من زمانٍ... سواك... سواك

فعد يا صديقي
لنا شمسنا في حقول النشيد
لنا بحرنا في أقاصي الخيال
ونحن البلاد التي ليس تفنى
ونحن انبعاث الرؤى المستحيلة
عد يا صديقي
وأشعل حروفك حتى تراني
فإني بنور حروفي أراك...

2002

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مسدار أبو السره لليانكى - محمد طه القدال