حطاب الأشجارالعالية - د. علي محمد

(إلى محمد الماغوط)

(في مرحلة الفطام
وأنا أحبو باكياً وراء أمي المنصرفة عني وراء الكنس والمسح ونفض الغبار
كنت آكل ما تطاله أظافري الغضة من تراب العتبة والشارع وفسحة الدار
ويبدو أنني أكلت حصتي من الوطن منذ ذلك الحين!
...)


ألست محظوظاً يا صديقي؟ إن كنت قد أكلت حصتك من الوطن، فهذا يعني أنها لم تقصف، وأن أحداً لم يعش عليها ليموت تحتها، وإنها وإن كانت صغيرة صغيرة، فإنها لن تتطاير هنا وهناك.
لم يحن أوان رثائك بعد! ولكن حين يحضر الحزن، يحضر سيده. وحين تظهر الحرائق، لا يتطاير الشرر كما يجب أن يكون، ولكن تتطاير الفراشات المخدوعة، ورائحة الأجساد الصغيرة التي لم تحصل حتى على "متعة" أن تنزف!
أو ترف أن تشكو الألم!
(...
كانت الشوارع هي الشوارع، والساحات هي الساحات، بعد كل الدماء التي سفحت وكل الأرامل اللواتي ولولن. كان كل شيء كما كان، حتى أن فهد التنبل يستطيع أن يتعرف على أعقاب لفائفه القديمة على الأرصفة....
)
ليس بعد الآن!
وفي الحقيقة، لم تعد هنالك أرصفة أيضاً. هل تستطيع أن تتخيل كيف يمكن أن يكون الموت الجماعي من دون دم؟ وأنت الذي عرفت الدم والموت الفردي الحزين؟
فيما مضى من السنوات، كنت وأنا أتتبع خطواتك في التراب متظاهراً بالسكر ، أحاول أن أراقب أعواد الكبريت المزروعة في جوف الأرض، والتي تنتظر ليلة أن تشتعل، فتذهب حرائقها بكل شيء. أفرح إذاً، لم يكن الزناد من بيننا يا محمد، لم يكن هو كل ما خفنا منه طوال السنوات. كان الجواب أكثر بساطة وأكثر  بديهية من ذلك! وإن كان سيتوجب علينا أن نموت بكل هذه الاحتفالية، فلا بد أن تكون مناسبة سعيدة تلك التي متنا فيها!
(
ثلاثين عاماً لم أر علم بلادي مبللاً بالمطر
وأنا أنفخ راحتي  في الزمهرير
وأغني..
موطني...
موطني!!!)

انهض الآن، وستراه!

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مسدار أبو السره لليانكى - محمد طه القدال